


هو خزعل بن جابر بن مرداو الكعبي العامري ، امه نورة بنت طلال شيخ قبيلة الباوية ، ولد سنة 1862م ، ونشأ الشيخ خزعل في المحمرة ونعلم على ايدي بعض الشيوخ ، وتدرب على الفروسية فكان عونا لأبية وأخية من بعده ، وقد تولى الامارة على اثر مقتل أخية الشيخ مزعل سنة 1897 م. ويعد الشيخ خزعل من الشخصيات العربية البارزة في تاريخ العرب الحديث ، إذ انه لعب دوراً رئيسياً في احداث الخليج العربي في الربع الأول من القرن العشرين ، وساهم مساهمة فعالة في احداثه ، واحتل مكانه مرموقه بين أمراء الجزيرة العربية .واكد الريحاني : "أنه أكبرهم بعد الشريف الحسين سناً واسبقهم إلى الشهرة وقرين أعظمهم إلى الكرم ."
وهو لا يقل مكانة عن شخصية الشيخ سليمان بن سلطان الكعبي (1767-1737م) – الشخصية البارزة التي حكمت الامارة ابان القرن الثامن عشر ، وتأتي اهمية الشيخ خزعل من أن إمارته شهدت أيامه أحداثا غاية بالاهمية ،وعدّ موقع إمارتة الاستراتيجي خطيراً إبانها ، كما شهد انهيار الحكم القاجاري في ايران وقيام الحكم البهلوي بدله ، ذلك الحكم الذي أطاح بحكمه . (د.مصطفى النجار : التاريخ السياسي لإمارة عربستان)
كتب عنه عبد المسيح الانطاكي ؛يقول "بشوش الثغر ،طلق المحيا ، ذو نظر جذاب ، فصيح اللهجة ، وديع يؤنس ضيوفه ، شريف العواطف ذو سماحة وطلاقه ، حليم عند القدرة ، شفوق على الاخرين ، تقي ورع ، مسلم صادق بدينه يصلي الأوقات الخمسة، بطل باسل عند اشتباك الحروب " ( الدرر الحسان في أمارة عربستان :30-29).
ويصفه علي محمد عامر " عالم وهو النصير الأكبر للعلماء والشعراء ، شاعراً له قصائد ومقطوعات من الشعر ." (المحمرة والوحدة العثمانية : 73-71).
وقد وجده سليمان فيضي - معتمد الإمارة – "طيبا كريما ميالا الى المرح والمزاح ، ينظر الى الحياة نظرة متفائل ، وكان يعيش في قصرة الفخم محاطا بكل مظاهرة العز والسلطان ،"( في غمرة النضال :294)
ويقف الريحاني – المؤرخ المعاصره – بين الطرفين ، فهو يقرر فضل الشيخ خزعل ، فيذكر "أنه غني حكيم كريم يساعد في بناء كنيسة في بلاده لمنكوبي الكلدان ، اذا ناوأه أحد مشايخ القبائل وهم بالخروج علية وكانت له بنت صالحه للنكاح يزورة ويشرفه بالمصاهرة فتخمد في الحال جذوة التمرد والعصيان، وهو لايزال على سنة التي تجاوزت الستين أهلا لمثل هذه المهمات."(الريحاني تاريخ ملوك العرب ج2 :186)
كما كان الشيخ خزعل له عند علماء الدين بالعراق مقام كبير وكان قصره لا يخلو من وفودهم ، كما كانت له مواقف مشرّفه في اعمال البر . وهو برغم هذا لم يعرف عنه التعصب المذهبي الذي كان شديداً أيامه ولم يعاد أصحاب المذاهب الأخرى . ويُروى ان مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني زاره في المحمره للحصول على هبة لترميم المسجد الاقصى ، فأعطاه تسعة آلاف روبية . ويبدو لنا من توافرنا على دراسة هذا الامير أنه كان متمتعا بقدر كبير من المزايا والصفات التي جعلت منه شخصية متنفذه وقد طغت على الكثير من رجالات ساحل الخليج العربي ، فكان واحدا من اشهر الذين عرفهم الخليج العربي وإيران والعراق ونجد.(الدود-الخليج العربي :71)
وقد عرف عن الشيخ خزعل علاقاته الوطيدة مع شيوخ العرب من الشخصيات المجاورين لإمارته. كما أنه حسنّ صلاته مع بلاد فارس "فكسب احترام وحب أكابر رجالها ، ونال بذلك اظم أوسمتها وألقابها "(الانطاكي – رحلة في وادي النيل :207). وقد عرف كيف يحقق لعربستان استقلالها الداخلي والخارجي ، إذ يذكر رضا شاه :" كان أميرا مستقلا داخل حدوده ... ليس لحكومة طهران أي سلطان علية ... وقد مضت علية أعوام دون أن يدفع أية ضريبة للدوله ... غير أنه كان أحيانا يرسل بعض الهدايا الى شاه إيران شخصيا".( مذكرات رضا شاه:38)
وهو من ناحية اخرى كان يرى "أن الوقت قد حان لزوال إمبراطورية آل قاجار، ولذلك حزم أمره على اعلان استقلاله للعالم الخارجي متى ما شعر بالخطر يحدق بإيران" ومن أجل هذا فكر في تقوية علاقاته مع الانجليز ، ولذا فإن فترة حكمة تمثل تغيرا جذريا في سياسة المحمرة مع الموظفين الانجليز في الخليج العربي ، فقد زالت تلك المعارضة التي صرح بها ابيه واخيه منذ فتح نهر كارون للملاحه النهرية ، ولقيت الشركة البريطانية (لنج) مساعدات قيمه من حكومة الشيخ خزعل وقد اخذت السفن البريطانية الماره في شط العرب أمام قصره تطلق له مدافع التحية (الدود – الخليج العربي :72)
في سنة 1908م تم العثور على النفط في مسجد سليمان – أحد مدن الإقليم الشرقية على بعد 150 كم من رأس الخليج – على عمق 1180 قدما ، واتضح ان تفجره قد تم في الاحواز قبل غيرها من الامارات العربية على الخليج العربي . لذا فقد فتح الانجليز باب المفاوضات مع الشيخ خزعل بالرغم من احتجاجات شاه فارس عليهم لعقد اتفاقية بشأن جزيرة عبادان للبدء في انشاء معمل لتكرير النفط فيها ، اضافة ، لمد خط أنابيب طوله 130 ميلا بين الحقول ومرفأ النفط في عبادان. وبهذا الخصوص يذكر السيرأرنولد ولسن - وهو سكرتير الوفد المفاوض للشيخ خزعل – ان لقاء قد تم بين الشيخ خزعل والسير برسي كوكس الوكيل البريطاني في بخارى والمتولي شؤون المناطق المحيطه بالخليج العربي وبعدة أربعة ايام من المفاوضات فقد توصل الطرفان في السادس من مايو (ايار) سنة 1909 م الى اتفاق يقضي بدفع 650 جنيها سنويا الى الشيخ خزعل كأيجار لموقع معمل تكرير ومرور أنابيب النفط عبر أراضيه ،( هارفي – الازمه العالمية :343-350م)، الى جانب تأييد استقلاله ضد اعداء الحكومه المركزية. ووعد بمساعدة عسكرية اذا ما تعرض لأي اعتداء.(بروكلمان – تاريخ الشعوب الاسلامية – ج5،136)
ومن شهرته كما تذكر المذكرات والمراجع التاريخية ان الشيخ خزعل كان يجمع حوله المستشارين الذين يختارهم بنفسه يساعدوه في ابداء المشورة والنصح، ومن اهمهم ، مستشاره المقرب الذي يطلق عليه الانكليز في مذكراتهم اسم ((الرئيس)) وهو الحاج محمد علي بهبهاني رئيس التجار ( شاه بندر التجار ) وكان اكبر تاجر في المحمره ومن اكابر الاغنياء في الاحواز والعراق والخليج ، وهو من الشخصيات القوية المحترمه عند الشيخ خزعل ورجالات الاماره ، وهو مستشاره للشؤون الفارسية ، والى هذا التاجر واسرته البهبهانية ينتسب عدد كبير من التجار المشهورين في ايران والكويت والعراق وغيرها من البلدان العربية الاخرى ، وبعد وفاته تولى ابنه ابو الحسن بن محمدعلي البهبهاني مسؤولية الشؤون الفارسية ورئاسة شؤون التجارية لدى امارة الشيخ خزعل .
كانت السف البريطانية التي تمر بشط العرب تطلق المدافع امام قصر الشيخ خزعلتحية واجلالا واعترافا بأستقلاله، ولما اردت بريطانيا بناء معمل لتكرير النفط في عبادان ، ارسلت السير برسي كوكس ليتفاوض نيابة عنها مع الشيخ خزعل ، ووقعت اتفاقية بهذا الخصوص ، ودفعت له ايجارا سنويا للسماح بمرور انابيب النفط عبر اقليم امارة الشيخ خزعل الى معمل التكرير في مدينة عبادان.
وكانت للشيخ خزعل علاقات واتصالات قويه مع العراق والكويت ونجد ومع الكثير من رجالات العرب في البلدان العربية الاخرى ، وشارك في الكثير من الانشطه السياسية التي حدثت في هذه البلدان.
ولما اندلعت الحرب العالمية الاولى عام 1914 م ارسلت بريطانيا قوة عسكرية للمحافظه على منابع ومصافي النفط في امارة عربستان بالاتفاق مع الشيخ خزعل ، وطلبت منه مساعدة القوات البريطانية لتحرير البصرة من العثمانيين ، وذكرت السكرتيره الشرقية لدار الانتداب البريطانية في العراق صاحبة المؤلفات والكتابات المس جيرنزودبيل الشهيره بـ ( مس بيل ) في كتابها المسمى ((فصول من تاريخ العراق)) في صفحة 20 ان المقيم البريطاني في الخليج عام 1914م اعطى للشيخ خزعل الوعد الآتي : (( لقد امرتني حكومة صاحب الجلالة ان اقدم لسعادتكم مقابل هذه القيمه وعدا بأننا اذا ما نجحنا وسننجح بإذن الله، فإننا لن نعيد البصرة للدولة العثمانية ولن نسلمها لهم ابدا وأؤكد لكم بصورة شخصية في هذا العهد بأن حكومة صاب الجلالة مهما طرأ من التبدل على شكل الحكومه الفارسية سواء كانت ملكيةمستبدة او دستورية ، مستعدة لان تمدكم بالمساعدات اللازمة للحصول على حل يرضيكم ويرضينا معا اذا تجاوزت الحكومة الفارسية على حدود امارتكم وحقوقكم المعترف بها ،فستبذل اقصى جهدها في الدفاع عنكم تجاه اي اعتداء او تجاوز يأتي اليكم من دولة اجنبية على دائرة اختصاصكم وحقوقكم المعترف بها ، او على سلامة اموالكم الموجودة في ايران ، هذه التأكيدات معطاة لكم ولخلفائكم من الذكور في صلبكم )) انتهى..
وبعد ان تم للقوات البريطانية احتلال العراق بالكامل خلال الحرب العالمية الاولى (1914- 1918م) جعلته تحت ادارتها السياسية والعسكرية المباشره وعينت رئيسا لهذه الادارة البريطانية هو الحاكم السياسي العام السير برسي كوكس واخذ العراقيون يعقدون الاجتماعات وينظمون المظاهرات الحماسية مطالبين بريطانيا بحكومة عربية اسلامية مستقله يترأسها ملك متوج ، وقد تنازل الشيخ خزعل عن ترشيحه لعرش العراق وبرر امير المحمرة الشيخ خزعل بن جابر الكعبي انسحابه من ميدان العرش العراقي بذا البيان الذي نشرتة جريدة العراق بتاريخ 14 حزيران 1921 م ؛ وهذا نص البيان )) انني عندما طرحت مسألة عرش العراق على بساط البحث ورأيت ان الذين رشحوا انفسهم لذلك العرش هم اناس دوني في المنزلة والكفاءة والمقدرة وفي جميع المزايا والصفات التي يجب ان يتصف بها ملك او امير كنت رشحت نفسي لذلك العرش لانني رأيت انني احق واجدر من جميع الذين رشحوا انفسهم له ، اما الآن وقد بلغني ترشيح سمو الامير فيصل (يعني فيصل بن شريف مكة الحسين بن علي ) لهذا العرش ، فإنني اتنازل عن ترشيح نفسي لأنني ارى في شخص الامير فيصل جميع الصفات والمواهب التي تؤهله لان يتولى ذلك العرش ، وانني اقابل ترشيح الامير فيصل بكل ابتهاج وأؤيد كل التأييد وارجو من جميع اصدقائي ان يؤازروني بكل قواهم ) انتهى .
وبعد الحرب العالمية الاولى ظهر في ايران الضابط رضا خان فقام بأنقلاب عسكري تسلم بعده منصب وزير الدفاع ، ثم بعد ذلك ازاح رئيس الوزراء ونصب نفسه مكانه، ثم نحى الشاه القاجاري احمد محمد علي وقضى على حكم الاسرة الملكية القاجارية واعلن نفسه شاها على ايران بأسم الشاه رضا بهلوي واسس الحكم الملكي البهلوي في ايران اعتبارا من نيسان 1926م. وفي احدى الليالي وبالتحديد ليلة20-4-1925 م اقام الجنرال زاهدي حفلة حفلة ساهرة في يخت الشيخ خزعل الراسي في مياه شط العرب ، وفي هذه الحفلة تم اعتقال الشيخ خزعل وابنه عبد الحميد وساقهما الجنرال زاهدي الى (الفيلية ) القريبة ومنها الى (المحمرة) ثم الى الاحواز وفي اليلة نفسها تم تسفيرهما الى (طهران) حيث احتجزا هناك وبقي الشيخ خزعل رهن الاقامة الجبريه في طهران حتى توفى في السادس والعشرين من مارس (اذار) عام 1936م.
وهكذا حقق الشيخ خزعل - الذي امتدت امارته اكثر من ربع قرن – لنفسه مكانه دولية مرموقه وقد حصل على اوسمة كثيرة من ملك بريطانيا ، وسلطان تركيا ، وشاه فارس، والبابا في روما وغيرهم ،، كان يحملها على صدره اذا لبس الزي الرسمي .(محمدلطفي جمعه- حياة الشرق:111)
نبذه تاريخية
ابرز الشخصيات البارزة في تاريخ العرب الحديث
لمحة تاريخية عن الشيخ خزعل الكعبي العامري أمير الاحواز (عربستان) ورمز سيادتها